أخبار

بلومبرج: الولايات المتحدة عاجزة عن إنتاج كميات كافية من القذائف المدفعية

كشفت وكالة أنباء “بلومبرج” الأمريكية عن عجز الولايات المتحدة عن إنتاج كمية كافية من قذائف المدفعية لإمداد الجيش الأوكرانى بالذخيرة اللازمة فى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولدعم الجيش الإسرائيلى فى الحرب على قطاع غزة.


وذكرت الصحيفة -فى تقرير موسع على موقعها الإلكترونى الليلة الماضية- أنه رغم التقدم التقنى إلا أن الحروب البرية لا تزال تُنتصر باستخدام الرصاص وقذائف المدفعية، والولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج القذائف المدفعية بسرعة كافية.


وأوضحت الصحيفة أن حرب روسيا وأوكرانيا كانت بمثابة ارتداد إلى حقبة سابقة من القتال الحربى الكثيف بالذخائر، وبرزت القذيفة من عيار 155 ملم كواحدة من أهم المعدات اللازمة فى ساحة المعركة،موضحة أن القذيفة التى يبلغ طولها نحو نصف متر وتزن 45 كيلوجرامًا، تعد من الذخائر التقليدية بين دول حلف شمال الأطلسى (الناتو)، لكن فى الوقت نفسه تعانى هذه القذائف من نقص خطير فى الإمداد.


ومنذ انتهاء الحرب الباردة فى التسعينيات من القرن الماضي،خفض البنتاجون استثماراته فى المنشآت التى كانت تستخدم فى السابق لصنع كل شيء من القذائف إلى البارود المتفجر،وركز بدلاً من ذلك على تحويل الحرب إلى الأأسلحة عالية التقنية،ولم يتبقى من مصانع الحرب التقليدية إلا البنية التحتية المتداعية، والآلات التى عفا عليها الزمن، والقوى العاملة الصغيرة التى لا تستطيع مواكبة الطلب الدولى المتزايد.


وقبل حرب أوكرانيا، كان متوسط إنتاج الولايات المتحدة 14400 قذيفة شهريا، لكن الآن تنفق الولايات المتحدة أكثر من 5 مليارات دولار لإصلاح المصانع القديمة بهدف إنتاج 100 ألف قذيفة من عيار 155 ملم شهريا بحلول نهاية العام المقبل، فى تعبئة إنتاجية لا مثيل لها فى سرعتها واتساعها منذ الحرب العالمية الثانية.


ويعيد ذلك الإنتاج الأمريكى من القذائف المدفعية إلى سابق عهده عندما كانت تصنعها بكميات هائلة،حيث دخلت واشنطن الحرب الكورية بأكثر من 6 ملايين قذيفة مدفعية عيار 155 ملم، عندما بلغ إنتاج الولايات المتحدة ما يصل إلى 84 ألف قذيفة شهريًا، قابلة للزيادة إلى 438 ألفًا شهريًا أثناء الحروب فى عام 1980.


لكن وفقا لوكالة “بلومبرج”، تغير ذلك الوضع عندما انتهت الحرب الباردة، آنذاك كانت احتمالات نشوب حرب برية مكثفة تبدو بعيدة، لذلك أغلقت الولايات المتحدة منشآت صناعة القذائف المدفعية وفقد الكثير من العمال وظائفهم.


وحدثت ظاهرة مماثلة فى أوروبا ما بعد الحرب، حيث انكمش الإنفاق الدفاعى على مدى فترات أطول مقارنة بالولايات المتحدة، لكن فى الوقت الحالى هناك جهود مماثلة لنظيرتها فى الولايات المتحدة لتكثيف الإنفاق الدفاعى مرة أخرى.


ورأت الوكالة أن العصر الحالى من الصراعات التى يتم خوضها بأسلحة احتياطية قديمة، أوضح عن الابتعاد عن الذخائر الأساسية خطأً استراتيجياً، وهو ما دفع الناتو إلى تغيير المبادئ التوجيهية الخاصة بالتخزين الدفاعي، لتجعل دول الحلفاء ملزمة بزيادة مخزوناتها من الذخائر بشكل كبير.


وفى الشهور الأخيرة، تم استنزاف الإمدادات الأمريكية من القذائف عيار 155 ملم بسبب الشحنات إلى أوكرانيا ودعم واشنطن للعمليات الإسرائيلية فى قطاع غزة، كما أن هناك أيضًا عجز فى البارود الأسود، وهو الوقود الأساسى لصناعة القذائف، لأن الولايات المتحدة تنتج القليل منه مقارنة بالماضي.


ونوهت الوكالة أن الولايات المتحدة لم تقم بتصنيع مادة “تى إن تي” المتفجرة، وهى مكون أساسى آخر لقذائف المدفعية، منذ الثمانينيات، مما اضطر البنتاجون إلى شرائه من دول مثل بولندا وتركيا.


وفى الوقت نفسه، فشلت القذائف عالية التقنية، التى كان من المفترض أن تحل محل الذخائر التقليدية من عيار 155 ملم، فى اختباراتها المبكرة فى حرب أوكرانيا، عندما أحبطت روسيا أنظمة الاستهداف الخاصة بها.


وباعتبار كل هذه المدخلات وما آلت إليه الأمور، فإن احتمالية استمرار الحروب فى المستقبل على نفس نمط القتال الطاحن الدائر فى أوكرانيا، أثيرت مخاوف فى الولايات المتحدة من أن ترسانة الحرب الأمريكية قد تصل فى يوم من الأيام إلى نقطة الانهيار، بحسب “بلومبرج”.


وفى هذا السياق، قالت مديرة برنامج الدفاع فى المركز المستقل للأمن الأمريكى الجديد، ستيسى بيتيجون، إن الأمر كان يكمن فى الأفق منذ فترة، لكن الوضع تطلب اندلاع الحرب فى أوكرانيا ليوجه صدمة إلى المسؤولين الأمريكيين فى البنتاجون وأعضاء الكونجرس لإخراجهم عن حالة الرضا عن النفس فيما يخص الترسانة الدفاعية الأمريكية.


والنتيجة هى أن الجيش الأمريكى يحاول جاهدًا مواكبة الطلب المفاجئ على الذخيرة التقليدية القديمة، متحملًا التكلفة الباهظة لإعادة إنتاج قذائف المدفعية؛ حيث خصص الكونجرس 650 مليون دولار لمنشأة إنتاج مادة “تى إن تي” التى سيستغرق بناؤها عامين، كما ستحتاج الولايات المتحدة إلى تمويل شراء ما تنتجه المنشآت الجديدة ربما لسنوات عديدة.


ونوهت “بلومبرج” بأن الحصول على المال قد يكون أسهل عقبة فى الوضع الحالي،حيث يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على تحسين المنشآت القديمة، وبناء مصانع جديدة، وشراء الآلات المحدثة، وتوظيف وتدريب العمال، والتغلب على اللوائح البيئية التى تقف فى الطريق، كما سيتعين على البنتاجون التأكد من إمكانية تشغيل المصانع بشكل آمن نظرًا لأن صناعة الذخائر عرضة للحرائق والانفجارات والحوادث الأخرى.


ورأت الوكالة الأمريكية أن العجز فى المواد الأساسية لصناعة القذائف المدفعية وندرة القدرة على تصنيعها يعكس مشكلة أوسع نطاقا،ألا وهى عدم تركيز الولايات المتحدة على صناعة الاحتياجات اليومية، حتى الأشياء التى قد تكون حاسمة فى الأزمات، مستندة فى ذلك إلى فترة تفشى جائحة كوفيد-19، حيث سارعت الحكومة الأمريكية لإنتاج المزيد من مسحات القطن وأجهزة التهوية، كما أن العجز فى قطع غيار السيارات والأدوية العامة وحليب الأطفال والسلع المشتركة الأخرى أصبح أكثر حدوثًا.


ويقول مراقبون إن مخزون روسيا من الأسلحة،والذى يشمل أسلحة مجددة تعود إلى الحقبة السوفيتية، بالإضافة إلى صواريخ وذخيرة من كوريا الشمالية وطائرات بدون طيار من إيران، يعوض من حيث الكم ما تفتقر إليه من حيث الجودة.


ولمحاولة مواكبة متطلبات الجيش الأوكرانى فى حربه أمام المخزون الروسى الكبير،فإن هدف الجيش الأمريكى هو إنتاج 68 ألف قذيفة شهريًا بحلول بداية عام 2025، وذلك بعد أن وصل الإنتاج فى نهاية شهر مايو إلى 36 ألف قذيفة.


وأوضحت الوكالة أن قدرا كبيرا من التمويل اللازم لزيادة تصنيع الذخائر المدفعية يأتى من مشروع قانون الإنفاق الأمريكى الذى تم إقراره مؤخراً بعد معركة سياسية دامت 6 أشهر بقيادة الجمهوريين الذين عارضوا تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا.


لكن بحسب “بلومبرج”، فإن البنتاجون سيحتاج إلى إنفاق 3.5 مليار دولار إضافية سنويًا لشراء الذخيرة،وهى تكاليف يجب تغطيتها من خلال موازنات الإنفاق المستقبلية، كما تخطط الولايات المتحدة أيضًا لتخصيص المزيد من الأموال لشراء القنابل الخارقة للتحصينات والأسلحة الثقيلة الأخرى.


وأوضحت الوكالة الأمريكية أنه مع هذه الاحتياجات،فإنه معارضة المزيد من المشرعين الدعم الأمريكى لأوكرانيا، من شأنه أن يلقى بظلال من الشك على الجهود الرامية إلى تجديد الترسانة الأمريكية، خاصة مع الصعوبة المتزايدة للحصول على موافقة الكونجرس على تدابير الإنفاق الكاملة، حيث يختار القادة السياسيين فى كثير من الأحيان تمرير تشريعات قصيرة الأجل لتبقى الحكومة مفتوحة فى حين تتجنب قضايا السياسة الرئيسية، ومن المرجح أن ينمو هذا الجمود قبل الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر المقبل.


وأشارت الوكالة إلى أن البنتاجون يخطط لزيادة قدرة الولايات المتحدة بشكل كبير على صنع ذخائر IMX، أو الذخائر المتفجرة غير الحساسة، والتى تعتبر أكثر أمانًا عند صناعتها ونقلها وتخزينها، كما يسعى الجيش الأمريكى أيضًا لزيادة المصادر المحلية لشحنات المدفعية المعيارية، والتى تستخدم وقودًا خاصًا غير تجارى.


وتلقت جهود البنتاجون إشادة جماعية من حلفاء الولايات المتحدة، الذين أعربوا فى الوقت نفسه عن أسفهم من أن دول الغرب سمحت بتضاءل مخزوناتها من الذخيرة والقذائف فى المقام الأول.

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى